مبدعون..(1)...الفنان التشكيلي محسن التيتون
إعداد وتصوير: محمد المحروس
( أسمع..أرى وأتكلم ) محاولة بلاغية واضحة لقلب ترتيب الجملة في دلالاتها الاجتماعية والسياسية والفكرية المعتادة (إنني لا أسمع , لا أرى, لا أتكلم ) هكذا يضع الفنان العمل في صراع جدلي وتناقض فاضح مع عالم الحياة الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم, في حين يبدو عالم الجماد نقيضاً للجماد ومتجهاً نحو الحياة نطقاً وسماعاً ورؤية في محاولة لرفض الصمت والعمى والصم الذي يهيمن على حياتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية. هذه الكلمات كتبها الناقد التونسي كمال الدين في أحد أعمال الفنان التشكيلي محسن التيتون والعمل بعنوان (أسمع ..أرى..أتكلم..)..محسن التيتون أحد القلائل الذين بدأوا مشوارهم الفني من الصفر وكانت لمسات البحر والحرف النعيمية لها تأثيرها على أعماله الفنية ..يضع يده على القطع الخشبية فيحولها إلى أعمال فنية تُسحر الناظر وتجعله يتأمل ويتساءل لفترات طويلة يبحث عن معانٍ وتفسيرات لتلك الأعمال, يحول الجماد إلى قِطع تتكلم بلسان الجمال ولغة الحرمان, ثم ينتقلُ إلى فن الخزف فيجعله لوحات رائعة وأوانٍ فاخرة ممزوجة بالزخارف الإسلامية معتمداً في ذلك على موروث ثقافي جميل اكتسبه من البيئة التي نشأ وترعرع فيها. في هذا اللقاء البسيط نحاول نحن في شبكة النعيم الثقافية أن نسلط الضوء على جزء بسيط من حياة الفنان محسن التيتون ومراحل بداياته في مشوار الفن ونستعرض بعض منجزات الفنان في الساحة البحرينية والعربية.
حدثنا عن بداياتك مع فن النحت على الخشب؟
الانطلاقة الأولى جائت من البيئة, البيئة هي التي تصوغ الفنان,وأنا ابن منطقة النعيم وما يميز هذه المنطقة أنها تقع بين المدينة وأقصد هنا المنامة وبين القرية ومن الجهة الأخرى البحر هذه العوامل الثلاثة أثرت في المسار الفني لدي, المدينة بما تمتلك من أسواق وفن ومعارض وحضارة, والقرية بما تمتلك من تراث جميل وخضرة ونخيل وأشجار, والبحر وهو ملهم كل فنان وشاعر وأديب, أضف إلى ذلك صناعة السفن في منطقة النعيم,جئتُ إلى هذه الدنيا وكل من حولي له علاقة بالسفن...الخشب ورائحته الرائعة وأدوات صناعة السفن ..المنشار و(الكدوم) والأزميل كلها أدوات نحت, ولا ننسى أن الوالد كان نجاراً ومعظم من كان يحيط بي من الناس أيضاً في نفس المهنة, وإذا كان للأطفال لِعب يلعبون بها ..أنا كانت لعبتي هي النحت على بقايا الألواح والجذوع التي يُصنع منها السفن.. تستطيع أن تقول هذه هي انطلاقتي الأولى في عالم النحت على الخشب وأتذكر بداياتي كنت أصنع السفن الصغيرة, هذه تعتبر المرحلة الأولى من حياتي مع الفن, المرحلة الثانية بدأت عندما وصلت إلى المرحلة الثانوية من الدراسة هنا بدأت التعلم الأكاديمي للفن وبدأت أُشارك في الورش الفنية وغيرها ولكن الانطلاقة الصحيحة مع الفن بدأت عندما التحقتُ بالمعهد وتخصصت في الفنون التربوية حيث يحتوي المنهج الدراسي للمعهد على أربعة مجالات هي الرسم,النجارة,معادن والخزف وهنا بدأت مع النحت على الخشب وقدمت أربعة أعمال وكان أول عمل لي أسمه (الغواص السجين) وهو أول عمل أشترك به مع فنانين ورواد الحركة التشكيلية في البحرين وفُزت بجائزة تقديرية واشتراه أحد الأجانب بمبلغ يساوي راتب أحدِنا في تلك الفترة عام1974م. بعد سنتين قدمت عمل آخر اسمه (التعاون) وللوالدة العزيزة يد في هذا العمل أتذكر أنها جاءتني ودلتني على جذع الشجرة الذي صنعت منه هذا العمل وكانت المفاجئة أن هذا العمل يفوز بجائزة دلمون الأولى في البحرين وهذه الجائزة أعطتني دافعً كبيراً لمواصلة المشوار في عالم الفن خصوصاً وأنا كنت في بداياتي واشتركت بالعمل في دولة الكويت وقطر وحصل على جوائز تقديرية ثم اقتناه متحف البحرين الوطني.
من كان غيرك من الفنانين البحرينيين يمارس هذا الفن وممن تأثرت ؟
في تلك الفترة لم يكن هناك نحاتين بالمستوى الذي يجعلني أن أتأثر بهم كان فن جديد على الساحة البحرينية وقد يكون هذا أحد أسباب تفضيلي عالم النحت على الرسم والفنون الأخرى لأن الفنان بطبيعته يحب التميز عن الآخرين, أتذكر أن هناك شخص اسمه (إسحاق كونجي) ولكن كان إنتاجه قليل, ولكني تأثرت بالنحات العالمي (هنري مور) وهو انجليزي ومن أفضل النحاتين العالميين وله مؤلفات كثيرة في هذا المجال.
ما هي الصعوبات التي واجهتها في بداياتك كفنان ؟
فن النحت على الخشب فن جديد على الساحة البحرينية ولم يكن هناك فنانين في هذا المجال, واجهتُ صعوبة نقص المواد الثقافية والعلمية..لم تكن هناك كتب متوفرة أو معلومات يمكن من خلالها زيادة المعرفة في هذا المجال ومن الصعب جداً أن تكون أول من يحمل المشعل, ولذلك توجهتُ إلى الأسفار...قمت بالسفر إلى الكثير من البلدان.. الأسفار هي معلمي..سافرت إلى العراق وهو بلد غني بجميع أنواع الفنون ولديهم فنانين على مستوى عالٍ في فن النحت على الخشب منهم جواد سليم وعبد الغني حكمت صاحب تمثال (شهرزاد)..سافرت إلى مصر, تونس, المغرب,انجلترا,قبرص ,اليونان, التشيك, الهند, إيران ,تايلند, اليابان وفرنسا...وكثير من البلدان الأخرى هذه الأسفار هي التي علمتني وصقلت الموهبة لدي وزادة حجم المعرفة, وأنشأت المكتبة والتي تضم الكثير من الكتب المتعلقة بهذا الفن الجميل.
انتقلت بعد فترة من العمل في فن نحت الخشب إلى فن الخزف ، حدثنا في البداية عن فن الخزف؟
في عام 1979م نُقلت من مهنتي كمدرس إلى مركز الخزف التابع لوزارة التربية والتعليم هنا بدأت قصتي مع الخزف، فالطين خامة مختلفة عن الخشب , وفي معرض المقارنة بين الصلابة والليونة, والخزف طينية يشكلها الفنان بحسب رأياه الفنية . لكن خشونة الخشب دائما هي هاجسي الأول و دائما هي التي تشدني وما انتقالي من الخشب إلى الخزف إلا انتقال مرحلي, وبدأت تسيطر علي عملية الكتلة من جديد فصغتها بالطينية ورأيت نفسي في الطينية ,من حيث مرونتها وسهولة تشكيلها وسحرني بريقها و ألوانها وقد يكون أيضاً أحد أسباب انتقالي إلى الخزف جاء من تأكيد إصراري على تنوع أساليبي الفنية. في أعمالي الخزفية الأولى لم يكن توجهي نحو دراسة الخزف كمادة علمية وفنية دقيقة الإيحاء والمضامين. وهو الباب الذي أرشدني إلى كيفية التعامل مع الخزف من ناحية علمية فلسفية منهجية مستشهدا بالمقولة(قبل أن تكون خزافا عليك أن تكون رساما ونحاتا) ولكن هناك مقولة أخرى اصطدمت بها وأنا أمام مادة الخزف إن الخزف ليس بحرفة وفن فقط وإنما علم وفلسفة وهو مادة حيوية تحتاج مني أن أكون ملما بها من النواحي الفيزيائية و الكيميائية وهذا ما قادني لدخول دورات في الخزف في انجلترا وأن أجول المدن الخزفية والبلدان للبحث والدراسة ومشاركة أساتذة كبار لهم مكانتهم الفنية والثقافية في العالم في إعداد الدورات التدريبية لمدرسي ومدرسات التربية والتعليم. أكدت قدرتي علي مداعبة المادة الخزفية من ناحية المضمون والشكل, وبعد مشوار طويل وشاق في التجارب علي الطينات المحلية وتحضير الأكاسيد اللونية وإجراء التجارب على الطلاآت الزجاجية وكذلك حرق الأعمال بأساليب وتقنيات مختلفة مثل البريق المعدني والركو اليابانية ......إلى أخر تلك التجارب الطويلة مع هذه المادة ، بدأت في تكوين فلسفة خاصة قادتني في السنوات الأخيرة على إظهارها في أعمالي الفنية في معارضي الأخيرة ركزت علي رؤية مختلفة في توظيف المثلث وجدت في المثلث إفراز للعديد من الرؤى المبدعة لدى الفنان مما شدني نحو محاورته في فلسفة خاصة ساعدتني علي تطوير مخيلتي في عمل تشكيلي متنقل من حركته الثلاثية الأضلاع إلى عمل إبداعي , أما الجداريات وبعض النصب التراثية كانت قراءة للتراث البحريني والخليجي بشكل عام مسلط الضوء علي جزئيات صغيرة من هذه العمارة والأبواب القديمة محاولاً إبراز جمالية هذه الجزئيات من خلال رؤية فنية مرتبطة بروح الحضارة وجمالية هذا الفن وعن فلسفة العمق في صياغة معالم التراث برؤية فنية مختلفة.
أيهما تفضل فن الخزف أم النحت على الخشب؟
لكل منهما طعم ومميزات ومن الصعب أن أفضل أحدهما على الآخر..في بعض الأحيان أحن إلى الخشب وإلى رائحته وأقوم ببعض الأعمال البسيطة , غير أن عالم الخزف فيه عنصر مميز يجعله يختلف عن الفنون الأخرى وهو عنصر المفاجئة, عندما تضع المواد أو الألوان على الخزف وتضعها في الفرن أنت لا تعرف ماذا ستكون نتيجة العمل , في بعض الأحيان يظهر لمعان وبريق ساحر مما يعطي العمل جمال رائع وفي كل يوم تظهر نتائج أخرى مختلفة هذا ما يجعل الخزف مميز عن الفنون الأخرى.
من خلال وجودك في المنطقة هل حاولت اكتشاف بعض المواهب؟
في فترة قيامي بأعمال النحت على الخشب اكتشفت سيد باقر سيد عبد الله الحلاي وجدت لديه الموهبة وقمت بمساعدته وتشجيعه وجعلته يشارك في بعض المعارض إلا أنه لم يواصل في هذا الفن. في مجال الخزف لدي ابن أخ اسمه سلمان وجدت لديه حب الفن وبدأت معه أثناء الدراسة إلى أن التحق بالفنون التربوية والآن له بصمة كبيرة في عالم الخزف في البحرين ونال عدة جوائز من خلال أعماله الفنية وأنا أعتبره مكملاً للمشوار الذي بدأته مع عالم الخزف, أيضاً لدي ابن أحاول أن أساعده لدخول في هذا العالم الجميل.
تضم منطقة النعيم فنانين ومبدعين في الكثير من المجالات, في الرسم, النحت التصوير وغيرهم, لكن إلى الآن لم نرى نشاط أو تجمع أو معرض أو حتى برنامج من خلاله ينمون الحركة الفنية أو الإبداعية في المنطقة؟
ما ذكرته في سوءالك يمثل هاجس كبير بالنسبة لي أفكر فيه منذ مدة طويلة وهو كيف ننمي الحركة الإبداعية في المنطقة ولكوني عضواً في مركز شباب النعيم بدأت بإقامة معرض للصور القديمة لمجموعة من المصورين وهناك أفكار أخرى في مجال التصوير للمستقبل. المشكلة التي تعاني منها منطقتنا هي التشتت أصبح أهالي المنطقة يعيشون في مناطق متفرقة والقليل من الفنانين من يهتم لأمر المنطقة وأنا على اتصال مع بعض الفنانين مثل عباس الموسوي وعبد الجبار الغضبان وسلمان وغيرهم, حتى الأشخاص الذين تركوا المجال الفني أحاول أن أكون على اتصال بهم لكي نحاول أن نرد ولو الجزء اليسير من الديَن الذي علينا لمنطقتنا التي قضينا طفولتنا بها بين الخضرة والبحر وبين رائحة الأخشاب, ولذلك تجدني مشترك في عدة أنشطة سواءً في مركز شباب النعيم الثقافي ,الصندوق أو المأتم الذي بدأت فيه بعدة أنشطة منها المرسَميَن للأطفال حيث ضما أكثر من 200 طفل وطفلة وأيضاً كعضو في لجنة الصم والبكم. لكن مستقبلاً نحاول أن تكون أنشطتنا مدروسة بشكل أكبر وتعم جميع أرجاء المنطقة ومن المهم جداً أن تدعم جميع مؤسسات المنطقة هذه الأنشطة لأسباب كثيرة منها اكتشاف المواهب لدى أبناء المنطقة, ربط الفن بقضية الإمام الحسين عليه السلام فأتمنى من جميع المؤسسات الدعم الكامل سواء كانت في موسم عاشوراء أو في المواسم الأخرى ففي النهاية سوف تعود بالبركة والخير على جميع أفراد المنطقة إن شاء الله.
بعض أعمال الفنان محسن التيتون
إنجازات ومشاركات الفنان محسن التيتون
عضو مؤسس لجمعية خزافي البحرين .
عضو مؤسس لجمعية البحرين للفنون التشكيلية.
عضو مؤسس لجمعية البحرين للموهبة والإبداع .
عضو مؤسس لمركز شباب النعيم.
عضو في لجنة الأسر المنتجة رئيس لجنة التدريب.
دبلوم عالي لتربية الفنية 1974.
دورة في الخزف في انجلترا1993.
دورة في الخزف في اليابان2003.
اختصاصي الخزف في وزارة التربية والتعليم.
أول رئيس لجمعية خزافي البحرين.
له استوديو خاص للخزف.
له مساهمات ودراسات لطينية البحرين مع مركز الدراسات والبحوث.
له العديد من الندوات و المحاضرات في الخزف في الداخل والخارج.
عضو في لجان تحكيم في مسابقات فنية .
قام بتدريب العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية في فن الخزف.
الجوائز:
1974 جائزة النحت البحرين
1976 جائزة ديلمون الأولي البحرين
1997 جائزة النحت التقديرية الكويت
1977 جائزة تقديرية لمعرض الفنون التشكيلية السادس و العشرين البحرين
1999 ميدالية مهرجان المحرس الدولي تونس
حائز علي العديد من الشهادات و الميداليات المحلية و الدولية
المعارض:
1974ـ 2003 جميع معارض البحرين لوزارة الأعلام البحرين
معرض السنتين الكويت
معرض السنتين المغرب
معرض السنتين الدوحة
1983معرض جمعية الفنون التشكيلية في الكويت الكويت
1984 بينالي القاهرة الدولي الأول القاهرة
1984 معرض الجمعية في لندن لندن
1988 معرض الخزف الشخصي الأول البحرين البحرين
المهرجان الثقافي السوري سوريا
1988 معرض الخزف جامعة البحرين البحرين
1993ـ2003 معارض جمعية خزافي البحرين البحرين
1994 مهرجان أصيلة المغرب
1994 معرض جسر الملك فهد البحرين
1997 معرض شخصي جامعة البحرين البحرين
1988 بينالي القاهرة الدولي الرابع للخزف القاهرة
1998مهرجان الخزف الأول والثاني والثالث لجمعية خزافي البحرين البحرين
1998ممثل البحرين في العرض الخليجي والتونسي المشترك تونس
1999 المحرس الدولي تونس
2000 معرض الخزف الأول الكويت
2000 معرض التربية والتعليم البحرين
2000 بينالي القاهرة الدولي الخامس للخزف القاهرة
2001 رئيس وفد متدربات الأسر المنتجة ألي الفسطاط القاهرة
2002 بينالي القاهرة الدولي السادس للخزف القاهرة
|